الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن عبد ربه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قلتَ في الرجل ما فيه فقد اغتَبْته، وإذا قلتَ ما ليس فيه فقد بهَته: ومرَّ محمدُ سِيرين بقوم، فقال إليه رجل منهم فقال: أبا بكر، إنّا قد نِلْنا منك فحَلِّلنا؟ فقال: إني، لا أحِلّ لك ما حَرّم اللهّ عليك، فأمّا ما كان إليَّ فهو لك. وكان رَقَبة بن مَصْقلة جالسًا مع أصحابه فذَكَروا رجلًا بشيء، فاطْلعَ ذلك الرجلُ، فقال له بعضُ أصحابه: أَلا أخْبره بما قًلنا فيه لئلا تكون غِيبة؟ قال: أخبره حتى تكون نميمة.اغتاب رجلٌ رجلًا عند قُتيبة بن مُسلم، فقال له قُتَيبة: أمْسك عليك أيها الرجل، فواللّه لقد تلَمَّظت بمُضْغة طالما لَفَظها الكِرام.محمد بن مُسلم الطائفيّ قال: جاء رجلٌ إلى ابن سِيرين، فقال له: بَلغني أنك نِلْتَ منّي، قال: نفسي أعزًّ علي، من ذلك.وقال رجل لبَكْر بن محمد بن عِصْمة: بلَغني أنَّك تقع فيّ؟ قال: أنتَ إذًا عليَّ أكرمِ من نفسي.وَوقع رجلٌ في طَلْحَة والزُبير عند سَعد بن أبي وَقّاص، فقال له: اسكُتْ، فإن الذي بيننا لم يَبْلُغ دينَنا.وعاب رجلٌ رجلًا عند بعض الأشراف، فقال له: قد استدللتُ على كَثرة عُيوبك بما تكثر من عُيوب الناس، لأن طالبَ العُيوب إِنما يَطْلبها بقَدر ما فيه منها، أما سمعتَ قولَ الشاعر:وقال آخر: وقال محمد بن السماك: تَجَنَب القول في أخيكَ لخَلتين: أمَّا واحدة، فعلَّك تعِيبه بشيءٍ هو فيك؟ وأما الأخرى، فإنْ يَكُن الله عافاك ممَّا ابتلاه به، كان شُكْرك الله على العافية تعبيرًا لأخيك على البَلاء.وقيل لبعض الحُكماء: فلانٌ يَعِيبك؛ قال: إنما يَقْرض الدَرهمَ الوازنُ.قيل لبُزَرْجَمُهر: هل تعلم أحدًا لا عيبَ فيه؟ قال: إن الذي لا عيب فيه لا يموت.وقيل لعمرو بن عُبيد: لقد وَقع فيك أيوب السِّخْتيانيّ حتى رَحمْناك؟ قال: إياه فارحَمُوا. وقال ابن عبَّاس: اذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به، ودَع منه ما تُحِبُّ أن يَدَع منك.وقَدم العلاء بن الحَضرميّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: هل تَرْوِي من الشعر شيئَاَ؟ قال: نعم؟ قال: فأنشِدني؟ فأنشِده: فقال النبي عليه السلام: «إن من الشِّعر لَحِكْمة».وقال الحسنُ البَصْرِي: لا غِيبةَ في ثَلاثة: فاسقٍ مُجاهر بالفِسْقِ، وإمام جائر، وصاحب بِدْعة لم يَدَع بِدْعته.وكتب الكِسائي إلى الرَّقاشي: اهـ. .من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}: .قال البقاعي: ولما كان الاستسخار بذوي الأقدار مرًا وللنفوس مضرًا قال تعالى مبشرًا بانقلاب الأمر في دار الخلد مرغبًا في التقوى بعد الإيمان: {والذين اتقوا} أي آمنوا خوفًا من الله تعالى، فأخرج المنافقين والذين يمكن دخولهم في الجملة الماضية {فوقهم} في الرزق والرتبة والمكان بدليل {أفيضوا} [الأعراف: 50] وآية: {إني كان لي قرين} [الصافات: 51] وكل أمر سار {يوم القيامة} فهم يضحكون منهم جزاء بما كانوا يفعلون. اهـ..قال الفخر: أما قوله تعالى: {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الذين آمَنُوا} فقد روينا في كيفية تلك السخرية وجوهًا من الروايات، قال الواحدي: قوله: {وَيَسْخُرُونَ} مستأنف غير معطوف على زين، ولا يبعد استئناف المستقبل بعد الماضي، وذلك لأن الله أخبر عنهم بزين وهو ماض، ثم أخبر عنهم بفعل يديمونه فقال: {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الذين آمَنُوا} ومعنى هذه السخرية أنهم كانوا يقولون هؤلاء المساكين تركوا لذات الدنيا وطيباتها وشهواتها ويتحملون المشاق والمتاعب لطلب الآخرة مع أن القول بالآخرة قول باطل، ولا شك أنه لو بطل القول بالمعاد لكانت هذه السخرية لازمة أما لو ثبت القول بصحة المعاد كانت السخرية منقلبة عليهم لأن من أعرض عن الملك الأبدي بسبب لذات حقيرة في أنفاس معدودة لم يوجد في الخلق أحد أولى بالسخرية منه، بل قال بعض المحققين الإعراض عن الدنيا، والإقبال على الآخرة هو الحزم على جميع التقديرات فإنه إن بطل القول بالآخرة لم يكن الفائت إلا لذات حقيرة وأنفاسًا معدودة وإن صح القول بالآخرة كان الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة أمرًا متعينًا فثبت أن تلك السخرية كانت باطلة وأن عود السخرية عليهم أولى. اهـ..قال ابن عاشور: وجيء في فعل التزيين بصيغة الماضي وفي فعل السخرية بصيغة المضارع قضاءً لحقْي الدلالة على أن معنيين فعل التزيين أمر مستقر فيهم؛ لأن الماضي يدل على التحقق، وأن معنى {يسخرون} متكرر متجدد منهم؛ لأن المضارع يفيد التجدد ويعلم السامع أن ما هو محقق بين الفعلين هو أيضًا مستمر؛ لأن الشيء الراسخ في النفس لا تفتر عن تكريره، ويعلم أن ما كان مستمرًا هو أيضًا محقق؛ لأن الفعل لا يستمر إلاّ وقد تمكن من نفس فاعله وسكنت إليه، فيكون المعنى في الآية: زُيِّن للذين كفروا وتزين الحياة الدنيا وسخروا ويسخرون من الذين آمنوا، وعلى هذا فإنما اختير لفعل التزيين خصوص المضي ولفعل السخرية خصوص المضارعة إيثارًا لكل من الصفتين بالفعل التي هي به أجدر؛ لأن التزيين لما كان هو الأسبق في الوجود وهو منشأ السخرية أوثر بما يدل على التحقق، ليدل على ملكةٍ واعتمد في دلالته على الاستمرار بالاستتباع، والسخرية لما كانت مترتبة على التزيين وكان تكررها يزيد في الذم، إذ لا يليق بذي المروءة السخرية بغيره، أوثرت بما يدل على الاستمرار واعتمد في دلالتها على التحقق دلالة الالتزام، لأن الشيء المستمر لا يكون إلاّ متحققًا. اهـ.وقوله: {ويسخرون من الذين آمنوا} عطف على جملة: {زين للذين كفروا} إلخ، وهذه حالة أعجب من التي قبلها وهي حالة التناهي في الغرور؛ إذ لم يقتصروا على افتتانهم بزهرة الحياة الدنيا حتى سخروا بمن لم ينسج على منوالهم من المؤمنين الذين تركوا كثيرًا من زهرة الحياة الدنيا لما هداهم الدين إلى وجوب ترك ذلك في أحوال وأنواع تنطوي على خبائث.والسَخَر بفتحتين: كالفرح وقد تسكن الخاء تخفيفًا وفعله كفرح والسُّخرية الاسم، وهو تعجب مشوب باحتقار الحال المتعجب منها، وفعله قاصر لدلالته على وصف نفسي مثل عَجِب، ويتعدى بمن جارَّة لصاحب الحال المتعجَّب منها فهي ابتدائية ابتداء معنويًا، وفي لغة تعديته بالباء وهي ضعيفة. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الذين آمَنُواْ} إشَارة إلى كفّار قريش، فإنهم كانوا يعظِّمون حالهم من الدنيا ويغتبطون بها، ويسخرون من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن جُريج: في طلبهم الآخرة. وقيل: لفقرهم وإقلالهم؛ كبلال وصُهيب وابن مسعود وغيرهم؛ رضي الله عنهم. فنبّه سبحانه على خفض منزلتهم لقبيح فعلهم بقوله: {والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة}. ورَوى عليّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من استذل مؤمنًا أو مؤمنة أو حَقّره لفقره وقلة ذات يده شهره الله يوم القيامة ثم فضحه ومن بهت مؤمنًا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه أقامه الله تعالى على تَلّ من نار يوم القيامة حتى يخرج مما قال فيه وإن عِظَم المؤمن أعظم عند الله وأكرم عليه من مَلَك مقرَّب وليس شيء أحبَّ إلى الله من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة وإن الرجل المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده» ثم قيل: معنى {والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة} أي في الدرجة؛ لأنهم في الجنة والكفّار في النار. ويحتمل أن يراد بالفوق المكان؛ من حيث إن الجنة في السماء، والنار في أسفل السافلين. ويحتمل أن يكون التفضيل على ما يتضمنه زعم الكفار؛ فإنهم يقولون: وإن كان مَعادٌ فلنا فيه الحظ أكثر مما لكم؛ ومنه حديث خبّاب مع العاص ابن وائل؛ قال خبّاب: كان لي على العاص بن وائل دَيْن فأتيتُه أتقاضاه؛ فقال لي: لن أقضيَك حتى تكفُرَ بمحمد صلى الله عليه وسلم. قال فقلت له: إني لن أكفر به حتى تموت ثم تُبعث. قال: وإني لمبعوثٌ مِن بعد الموت؟ فسوف أقضيك إذا رجعتُ إلى مالٍ وولد. اهـ..قال أبو السعود: وإيثارُ الاسمية للدلالة على دوام مضمونِها. اهـ..قال ابن عاشور: وقوله: {والذين اتقوا فوقهم} أريد من الذين اتقوا المؤمنون الذين سخر منهم الذين كفروا؛ لأن أولئك المؤمنين كانوا متقين، وكان مقتضى الظاهر أن يقال وهم فوقهم لكن عُدل عن الإضمار إلى اسم ظاهر لدفع إيهام أن يغتر الكافرون بأن الضمير عائد إليهم ويضموا إليه كذبًا وتلفيقًا كما فعلوا حين سمعوا قوله تعالى: {أفرءيتم اللات والعزى} [النجم: 19] إذ سجد المشركون وزعموا أن محمدًا أثنى على آلهتهم. فعدل لذلك عن الإضمار إلى الإظهار ولكنه لم يكن بالاسم الذي سبق أعني {الذين آمنوا} لقصد التنبيه على مزية التقوى وكونها سببًا عظيمًا في هذه الفوقية، على عادة القرآن في انتهاز فرص الهدى والإرشاد ليفيد فضل المؤمنين على الذين كفروا، وينبه المؤمنين على وجوب التقوى لتكون سبب تفوقهم على الذين كفروا يوم القيامة، وأما المؤمنون غير المتقين فليس من غرض القرآن أن يعبأ بذكر حالهم ليكونوا دَومًا بين شدة الخوف وقليل الرجاء، وهذه عادة القرآن في مثل هذا المقام.والفوقية هنا فوقية تشريف وهي مجاز في تناهي الفضل والسيادة كما استعير التحت لحالة المفضول والمسخَّر والمملوك. وقيدت بيوم القيامة تنصيصًا على دوامها، لأن ذلك اليوم هو مبدأ الحياة الأبدية. اهـ..من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}: .قال البقاعي: ولما كان تبدل الأحوال قريبًا عندهم من المحال كان كأنه قيل في تقريب ذلك: برزق من عند الله يرزقهموه {والله} بعز سلطانه وجلال عظمته وباهر كرمه {يرزق من يشاء} أي في الدنيا وفي الآخرة ولو كان أفقر الناس وأعجزهم. ولما كان الإعطاء جزافًا لا يكون إلا عن كثرة وبكثرة قال: {بغير حساب} أي رزقًا لا يحد ولا يعد، لأن كل ما دخله الحد فهو محصور متناه يعد، وفي هذه الأمة من لا يحاسبه الله على ما آتاه فهي في حقه على حقيقتها من هذه الحيثية. اهـ.
|